بسمه
المحتويات
ذقنها مستنكرة عبارته الأخيرة وهي تقول
حد يقول على الجواز خانقة!
زفر بصوت مسموع قائلا بامتعاض
مش وقته يا أمي! انتي مش شايفة اللي احنا فيه!
تشكل على ثغرها ابتسامة بلهاء وهي تقول
ما أنا عارفة ومقدرة!
ثم تابعت قائلة بسذاجة
بس عاوزاك تتأكد يا حبيبي إن البت كويسة ومتربية وكمان بتخلف يعني هاتضمن تجيب منها عيال إن شاء الله!
ثم زفر قائلا بحنق وقد قست نظراته
حاجة جليلة قفلي على الموضوع وخليني أشوف ورايا ايه!
تفهمت عدم رغبته في الحديث ورددت قائلة على مضض
براحتك يا بني!
ثم طرأ بعقلها شيء ما فتساءلت بفضول
ألا بالحق بنت أخو عواطف عاملة ايه
انتبه لسؤالها باهتمام عجيب وتجمدت نظراته نوعا ما ثم أولها ظهره متحاشيا النظر إليها وفرك ذقنه قائلا بهدوء
تحركت خلفه قائلة بجدية
أنا عاوزة أروح أعزيهم واسأل عليها!
رد عليها بثبات وهو يسحب ثيابه من خزانة ملابسه
براحتك بس خليها كمان يومين كده تكون البت راقت وفاقت من اللي هي فيه!
أثارت جملته الأخيرة إهتمامها فقد بدت غامضة نسبيا وسألته بفضول وهي تتفرس تعابير وجهه
هو حصلها حاجة
أجابها بغموض أكثر وهو يغلق ضلفة الخزانة
هز رأسه بالإيجاب مرددا
ماشي
وقفت أمام تلك الصورة الفوتغرافية القديمة محدقة مطولا في ملامح وجهها دارسة تفاصيله عن كثب.
برع المصور في تجسيد انعكاس شخصها.
لم تكن عزيزة تبتسم فعليا بل كانت التواءة شفتيها قاسېة..
رأت فيها شموخا كبرياؤها يبرز في رفعها لحاجبها الأيسر وتعاليها بإباء يبدو في علو طرف ذقنها وكأنها تتعمد إيصال رسالة تحذيرية خفية لكل من ينظر إليها فلا يفكر يوما بالمساس بها.
مسحت بيدها المجعدة على الإطار مزيحة أثار التراب العالق به ثم تنهدت مجددا قائلة لنفسها بإستياء
ربنا يسامح يا أمي بناتي مخدوش منك إلا القسۏة والظلم! يا ريتهم طلعولي ولا طلعوا لأخويا كان.. كان زمانت حالهم بقى أفضل
أخفضت رأسها متابعة بحزن
حدقت في سقفية الغرفة بشرود تام فقد سيطرت هيبته على عقلها.
قامت بلف خصلات شعرها المنسدلة على الوسادة بإصبعها وتنهدت بحرارة ما.
مالت بجسدها للجانب محدثة نفسها بتمني
يا سلام لو كنت أتجوزت واحد زيك!
ثم اكفهر وجهها وهي تضيف بسخط كبير
مش بدل الشبشب اللي اتحسب عليا!
لكزتها
بسمة في ساقها قائلة بصوت ناعس للغاية
ردت عليها أختها بتذمر
يعني أقع على الأرض عشان ترتاحي
زفرت بصوت مسموع هامسة بنبرتها الثقيلة
يوووه أنا عندي شغل بدري فخليني أنعس
طيب.. طيب
قالتها نيرمين على مضض كبير وهي تغمض عيناها لتحتفظ بصورته في مخيلتها متعشمة أن تراه في أحلامها الوردية.
بعد مرور يومين
انتهت العاملة زهرة بالفندق المتواضع من التوقيع على ورقة استقالتها وقدمتها إلى مسئولي الإدارة ثم استلمت بعدها مستحقاتها المادية نظير عملها الفترة الماضية به.
سألتها زميلتها بحزن عن سبب تركها للعمل
ليه بس سبتي الشغل
ردت عليها زهرة بضيق مصطنع
مضطرية ياختي مقصرة مع العيال وأبوهم مش ملاحق يسد مكاني! وحلف بالطلاق لو ما أعدت من الشغل ليهرميني في الشارع أنا والعيال! يرضيكي بيتي يتخرب!
لم تقتنع بحجتها الزائفة وأضافت بعتاب
ما انتي كنتي أولى بالفلوس اللي بتطلعك والبقشيش كانوا بينفعوكي وزيادة!
تنهدت قائلة بفتور
تتعوض بقى هاشوف حاجة أعملها وأنا أعدة في البيت!
هزت رأسها قائلة بضجر
ربنا يعوضك!
احتضنتها زهرة وهي تودعها بابتسامة باهتة
يا رب أشوف وشك على خير!
ضمتها
هي الأخرى إليها وودعتها قائلة
هتوحشيني ياختي! ابقي اسألي
ردت قائلة وهي توميء برأسها
من عينيا! سلامو عليكم
وعليكم السلام ورحمة الله!
ثم انصرفت بعدها حاملة كيسا بلاستيكيا يحوي ملابسها وعلى ثغرها ابتسامة ماكرة.
ومضت عيناها ببريق شيطاني خبيث فقد نفذت مخططها الذي رسمته مع زوجها بحرفية تامة وآن الآوان لتنعم بتلك الأموال التي سرقتها.
أفاقت أسيف تدريجيا من حالة الحزن المسيطرة عليها وبدأت من جديد تندمج مع من حولها لكنها لم تقم بعد بفتح حقائب السفر وتوضيبها في ضلفة خزانة الملابس التي خصصت لها في غرفة بسمة.
كانت تؤجل القيام بتلك الخطوة الصعبة حتى تستعيد رباطة جأشها فتقوى على فعلها دون أن يكون للأمر تأثيرا كبيرا عليها.
سعدت عواطف لاستجابة ابنة أخيها لها وخروجها من عزلتها. وحذرت ابنتيها من عدم التمادي في أسلوبها المستفز معها.
ونوعا ما تجنبت الاثنتان الحديث إليها إلا بكلمات مقتضبة.
قبلتها عواطف من وجنتيها وربتت على كتفها هاتفة بنبرة فرحة
ربنا يكرمك يا أسيف أنا مش عارفة أوصفلك قلبي فرحان بيكي ازاي
اكتفت أسيف بالإبتسام مجاملة لها لكن عواطف لم تكتف بهذا بل تابعت قائلة بحماس
أنا عاوزة وشك الحلو ده يرجع ينور تاني! مش هاسيبك إلا لما تاكلي وتملي كده وتبقي قمر 14!
انتبهت كلتاهما لصوت قرع الجرس فصاحت عمتها بإستغراب
وده مين جاي السعادي
هزت أسيف كتفيها قائلة بعفوية
معرفش
تحركت عواطف في اتجاه باب المنزل محدثة نفسها بضجر
طبعا الهوانم اللي عندي سامعين ومطنشين بؤهم في ودان بعض وهاتك يا رغي امري لله هافتح أنا!
بينما سارت أسيف عائدة إلى غرفتها المؤقتة لتمكث بها فهي على يقين بأن الضيف القادم لم يأت من أجلها.
استقبلت عواطف الحاجة جليلة التي جاءت لزيارتها لتقديم واجب العزاء في غرفة الصالون وهتفت قائلة بترحاب
نورتيني والله يا حاجة جليلة تسلم رجليكي
صافحتها الأخيرة بحرارة ومالت برأسها عليها لتقبلها قائلة بنبرة مواسية
البقاء والدوام لله أنا عارفة إني مقصرة في حقكم
ردت عليها عواطف بود
تعيشي يا ست جليلة أنا مقدرة والله كفاية جيتك النهاردة!
تلفتت جليلة حولها متسائلة باهتمام
أومال فين بنت أخوكي أعزيها
أجابتها عواطف بلا تردد وهي تشير بكف يدها
أعدة في الأوضة ثواني أندهالك من جوا!
هتفت جليلة قائلة بجدية
لو نايمة سيبها أمانة عليكي ما تصحيها!
هزت عواطف رأسها نافية
لالالا.. دي هي صاحية بس بتكسف وكده!
ابتسمت جليلة مرددة
ماشاء الله باين عليها متربية زي بناتك
ردت عليها عواطف بتنهيدة إرتياح
الحمدلله
أضافت جليلة قائلة
ربنا يباركلك فيهم
اللهم أمين!
قالتها وانصرفت مسرعة في
اتجاه غرفة ابنتها لتستدعي أسيف لمقابلتها...
في نفس التوقيت بغرفة نيرمين كانت الأختان جالستان بالشرفة ترتشفان الشاي الساخن وتثرثران في توافه الأمور.
انتبهت بسمة لصوت الجرس فأردفت قائلة
باين الباب بيخبط!
ردت عليها نيرمين بفتور وهي تسند قدحها في الصينية
طب ما تقومي تشوفي مين!
حركت بسمة ساقها قائلة بتثاقل
رجلي منملة من الأعدة!
عبست نيرمين بوجهها ورمقتها بنظرات منزعجة قبل أن تقول بسخط
انتي أصلا مابتعمليش حاجة للي بيطلبها منك!
لوت بسمة ثغرها قائلة بتأفف غير مكترثة برأي الأخرين فيها
أنا كده واللي عاجبه بقى!
ركزت نيرمين حواسها لتعرف هوية الضيف وانتفضت من جلستها قائمة صائحة بتلهف
دي الست جليلة أم منذر!
تجهمت قسمات وجهها وردت بامتعاض
ياباي الست دي رخمة أوي
استنكرت نيرمين ما قالته واعترضت بشدة
بقى الحاجة جليلة بجلالة قدرها رخمة يا شيخي حرام عليكي دي من ولاد الأصول بتوع زمان!
نفخت بسمة محركة كتفيها بعدم اكتراث وهي توضح سبب عدم ارتياحها لها
معرفش أنا مش بأرتحلها بتفرض نفسها عليا وبأحسها مش واضحة كده وشكلها مياه من تحت تبن! ده أنا بأفكر أعتذر عن الدرس عشان خاطرها!
حدجتها نيرمين بنظرات قوية قائلة بتصلب
انتي مافيش حد بيعجبك اوعي خليني أقوم أسلم عليها!
ضحكت بسمة بتهكم مرددة
ماشاء الله فجأة كده بقيتي مهتمية بيها!
ردت عليها نيرمين بعبوس وهي تسرع في خطواتها
مالكيش فيه!
صاحت بسمة بصوت مرتفع متابعة إياها بنظراتها
هنياله ياختي!
دقت عواطف على باب غرفة بسمة دقة واحدة قبل أن تدير المقبض وتفتحه لتلج إلى الداخل قائلة بعجالة
أسيف حبيبة قلبي تعالي سلمي على الست جليلة!
نظرت لها الأخيرة بحيرة ساءلة إياها بصوت هاديء
مين دي
اقتربت منها عمتها وجذبتها من ذراعها برفق لتجبرها عن النهوض وأجابتها باهتمام
دي تبقى أم منذر ومرات الحاج طه ما انتي عارفاهم!
تصلب وجهها نوعا ما عقب معرفتها لهويتها وشعرت بعدم الإرتياح لتلك المقابلة.
شعرت بالغرابة والحرج فحاولت الاعتذار قائلة بتهذيب وهي تتملص من قبضتها
مافيش داعي....
قاطعتها قائلة بإستغراب
لالالا مش هاينفع لازم تقابليها دي جاية مخصوص عشانك
بس....
أصرت على رأيها قائلة
مايصحش تعتذري تعالي معايا دول 5 دقايق بس!
اضطرت أسيف في النهاية أن ترضخ لإلحاحها وذهبت معها إلى خارج الغرفة.
التقت نيرمين مع جليلة بحجرة الصالون محتضنة إياها باهتمام كبير ومرددة بابتسامة عريضة
ازيك يا خالتي!
ابتسمت لها جليلة بألفة وهتفت قائلة بود وهي تتفرسها بدقة
بخير يا بنتي ماشاء الله عليكي وشك رد بعد ما....
قضمت عبارتها بحرج بائن فردت عليها نيرمين بابتسامة متأسفة
الحمدلله كانت مرحلة وخلصت!
ربتت جليلة على ذراعها قائلة بنبرة ذات مغزى
ربنا هيعوضك بالخير إن شاء الله وقريب!
اتسعت ابتسامتها مرددة
يا رب يا خالتي!
ثم رسمت على وجهها علامات الجدية مضيفة بإمتنان
صحيح أنا كنت عاوزة أشكرك على تعب سي منذر معانا ربنا يحميه راجل من ضهر راجل!
عاتبتها جليلة قائلة
شكر ايه بس ده واجب عليه ده انتو مننا يا نيرمين!
نظرت لها قائلة بحماسة
تدوم العشرة يا رب!
لاحظت نيرمين تحول نظراتها نحو الباب فاستدارت برأسها لترى ما هي محدقة فيه فرأت أسيف واقفة على عتبته.
تجهم وجهها وانعقد ما بين حاجبيها بإنزعاج واضح.
استطردت عواطف حديثها مقدمة ابنة أخيها لها
دي أسيف بنت المرحوم رياض!
ثم دفعتها من كتفيها برفق للأمام لتلج الاثنتان لداخل الغرفة.
دنت منها جليلة ومدت يدها لمصافحتها قائلة بنبرة مواسية
البقاء لله يا بنتي
هزت أسيف رأسها بإيماءة خفيفة وهي تبادلها المصافحة قائلة بصوت هاديء ورقيق
شكرا
لم تترك جليلة كفها بل جذبتها كعادة النساء في تلك المناطق الشعبية لټحتضنها وتقبلها من وجنتيها مرددة بحزن
أنا عارفة إنه صعب عليكي اللي حصل بس ده أمر الله!
ردت عليها أسيف بصوت شبه مخټنق وهي تبتلع غصة عالقة في
حلقها
الحمدلله!
وجهت جليلة حديثها إلى عواطف قائلة بإعجاب ظاهر في نبرتها
بس مقولتليش يا عواطف ان بنت أخوكي حلوة بالشكل ده
ردت عليها الأخيرة مجاملة
كتر خيرك يا ست جليلة!
اغتاظت نيرمين مما قالته عنها واحتقنت عيناها بشدة وهي تحدجها بنظرات مغلولة. فهي لا تقل جمالا عنها بل ترى نفسها أكثر حيوية وأنوثة منها.
وعبست بوجهها وهتفت قائلة بصوت مزعوج
هي احلوت إلا لما جت عندنا يا خالتي قبل كده ماتشوفيهاش حاجة كده....
توقفت عن اتمام عبارتها حينما رأت نظرات والدتها الساخطة نحوها فشعرت بټهديدها الصريح واكتفت بالإبتسام وهي تتابع بحذر
نورتينا يا خالتي أعملك ايه تشربيه
ردت عليها مشيرة بكف يدها
والله واكلة وشاربة الحمدلله ماتتعبيش نفسك!
عضت على شفتها السفلي قائلة بإستنكار زائف
تعب ايه بس ده كله يهون عشانك!
حافظت جليلة على ابتسامتها العذبة ثم جابت بعينيها المكان متسائلة بجدية
على كده بسمة موجودة أسلم عليها يا عواطف ولا هي مش عاوزة تشوفني!
لطمت عواطف على صدرها هاتفة بنبرة مستنكرة سوء ظنها
لأ ازاي تلاقيها بس متعرفش إنك هنا هاروح.....
قاطعتها جليلة قائلة بصوت هاديء
لا مش مشكلة خليها ترتاح!
ثم أشارت لها بحاجبيها وهي تضيف محذرة
بس أمانة تبلغيها إن هاستناها تيجي عشان درس العيال دول بيحبوها أوي وبيفهموا منها!
فهمت عواطف مقصدها الضمني وردت عليها مؤكدة دون تأخير
اه طبعا هاتجيلك على
متابعة القراءة