بسمه

موقع أيام نيوز


به إبرة طبية وجسدها المغطى بالملاءة مجيبا إياها بهدوء بارد
لوشتي ايه بالظبط
حاولت النهوض من رقدتها لترد عليه بحدة رغم تعبها
ايه اللي جابك هنا وعرفت منين
أجابها بجمود وهو يعمق نظراته نحوها
اللي جابني رجلي! أما عرفت منين فدي مش صعبة يعني!
تأوهت بصوت خفيض لضغطها على كفها الموصول بالإبرة الطبية ثم ارتخت مجددا على الوسادة هاتفة بإنهاك وضجر

طب اتفضل من غير مطرود أنا....
وضع دياب يده على طرف ذقنه ليفركه بحركة ثابتة مقاطعا إياها بصرامة
انتي تسكتي خالص وتسمعي كلامي للأخر
احتدت نظراتها نحوه وكانت على وشك الانفجار فيه لكنه بادر قائلا
الموضوع مش مستاهل خناقات وأفورة في مصايب أكبر من اللي انتي فيه 
صاحت فيه بصوت متحشرج منفعل وهي مسلطة أنظارها عليه
وانت ايش دخلك فيا أنا مش فاهمة أصلا انت جاي هنا ليه!
سكتت للحظة لتلتقط أنفاسها ومن ثم واصلت صړاخها مرددة
وبعدين حد طلب مساعدتك ولا....
قاطعها قائلا بصوت متصلب وهو يدنو من فراشها
مش محتاج أطلب انتي ملزمة مني لحد ما أمك تعرف!
ضاقت نظراتها أكثر وردت عليه مستنكرة محاولته فرض نفسه عليها بالإجبار
بصفة ايه ان شاء الله
أجابها بجمود متحديا عنادها
من غير صفة هو كده قوة وإقتدار..!
.........................................
فتش منذر في معظم محتويات الكيس البلاستيكي باحثا عن أي شيء يمكن أن يفيده.
تساءل طه باهتمام وهو يجوب ببصره عليهم
لاقيت حاجة يا بني
أجابه ابنه بضجر وهو يلقي بعدم مبالاة بالأشياء
موبايل قديم وكارت لوكاندة ومحفظة وحاجات مالهاش لازمة!
تناول الحاج طه البطاقة الخاصة بالفندق وأمعن النظر فيها جيدا ليعرف اسمه وعنوانه. ثم هتف قائلا
أدينا عرفنا المكان اللي كانوا أعدين فيه!
هز منذر رأسه دون أن ينبس بكلمة بينما تابع والده مكملا بنبرة مهتمة وهو يشير بإصبعه
شوفلنا في الموبايل ده رقم حد من قرايبها!
حدق منذر في وجه أبيه مرددا بغرابة من طلبه
وأنا هاعرفهم ازاي
رد عليه أبيه بجدية
أكيد هيبان يعني يا منذر مش محتاجة فقاقة!
ضغط ابنه على شفتيه قائلا باقتضاب
طيب!
زفر بصوت مسموع وتابع البحث في قائمة الأسماء الموجودة بالهاتف والذي لم يكن على درجة من الصعوبة للتعامل معه.
لم يجد به الكثير من الأسماء فقط قلة قليلة.
لفت أنظاره اسم الحاج فتحي وظن أنه ربما يكون على صلة قريبة بالعائلة فقرر أن يهاتفه أولا ثم يحاول مع شخص أخر.
وبالفعل ضغط على زر الاتصال به وانتظر بترقب رده عليه...!!!!
الفصل الثامن عشر
لوح بعصاه الخشبية في الهواء آمرا رجاله بإكمال عملهم في أرضه الزراعية فقد اقترب موسم الحصاد وهو يحتاج للتأكد من جودة المحصول وخلوه من الآفات.
رن هاتفه لعدة مرات لكنه لم ينتبه لرنينه المتواصل بسبب صوت الضجيج من حوله.
لاحظ هو تقاعص البعض منهم فهتف بصوت مرتفع محمسا إياهم
لو خلصتوا على قبل العصرية هتاخدوا يومية زيادة!
اجتهد الرجال أكثر بعد تحفيزهم ماديا..
دنا منه أحد الفلاحين مرددا بنبرة خشنة
يا حاج فتحي الواد خلف بتاع المواشي بيقولك يودي الجاموسة عند الحاج اسماعيل!
استدار ناحيته ورمقه بنظرات جادة قائلا بإستنكار
هو لسه مودهاش انت عاوز الحاج يزعل مننا
رد عليه الرجل معللا
لأ بس مكنش في مواصلة وآ....
قاطعه الحاج فتحي بغلظة وهو يضرب الأرض بعصاه بعصبية
تتصرف على طول هو كل حاجة لازم أعملها بنفسي!
أومأ الرجل برأسة قائلا بارتباك
حاضر يا حاج اعتبرها راحت عنده 
لكزه الحاج فتحي في كتفه بقوة قائلا
مش بالكلام يا فالح!
ماشي يا حاج!
قالها الرجل وركض عائدا لينهي مهمته الناقصة. 
اتجه الحاج فتحي بعدها ناحية الشجرة الموضوع أسفلها ذلك الشرشف النظيف ليجلس بإسترخاء عليه.
تأوه بإنهاك وهو يمدد ساقيه للأمام. وتمتم مع نفسه مرددا بازدراء
شغال مع بهايم محدش فيهم بيفكر خالص!
استشعر تلك الإهتزازة الخفيفة المنبعثة في جانبه فمد يده ليخرج هاتفه المحمول.
ضيق نظراته ليرى اسم المتصل لكنه لم يتبينه جيدا فقد حجب الضوء الرؤية في الشاشة بوضوح.
غطا جزءا منه بكف يده فبرز اسم حنان عليه.
لوى فمه للجانب محدثا نفسه بامتعاض
ودي عاوزة ايه 
أجاب على اتصالها قائلا بصوت آجش
سلامو عليكم! أيوه يا حنان! ايه الأخبار
رد عليه صوت ذكوري غريب على مسامعه
انت الحاج فتحي
انتصب الأخير في جلسته متسائلا بجمود
ايوه مين معايا مش ده تلافون حنان هو وصلك إزاي وآ.....
رد عليه منذر بهدوء حذر مانعا إياه من الاسترسال في أسئلته
بالراحة عليا

كده يا حاج فتحي في الأسئلة! اصبر وأنا هاجاوبك 
انفعل عليه الأخير قائلا بنفاذ صبر
إنت مين ما تكلم!
أجابه منذر بحذر
أنا هافهمك بس الأول لازم تعرف إن صاحبة التليفون ده....
صمت لثانية قبل أن يتابع موضحا بجمود
ماټت!
جحظت عيني فتحي بذهول كبير وصاح مصډوما
بتقول ايه حنان ماټت!!!!!!
..............................................
استشاطت نظرات بسمة للغاية نتيجة أسلوب دياب الجاف والمتسلط عليها.
حاولت ردعه وايقافه عند حده لكنها كانت منهكة بدرجة كبيرة كذلك استنفذت قواها في تكرار الكشف عليها للتأكد من عدم تطور الأمر معها.
سأل دياب الطبيب بجدية وهو يسحبه خارج الغرفة
هي هتبقى كويسة
هز الطبيب رأسه بالإيجاب قائلا
اه بالكتير على بكرة هاتكون في بيتها 
ابتسم دياب بإرتياح
تمام طمنتني! 
ثم سكت للحظات ليتساءل بعدها بفضول وهو يرى إحدى الممرضات تحسب عينه أخرى من دمائها
طب ليه الكشوفات الكتير دي و....
أجابه الطبيب بإنزعاج قليل
أصلها مش أول حالة ټسمم تجيلنا 
ارتفع حاجباه للأعلى في اندهاش وهتف متعجبا
نعم هو في غيرها
رد عليه الطبيب بنبرة جادة
أيوه كذا حالة جت وتقريبا كلهم من نفس المكان فبنجمع عينات عشان التقرير!
فرك دياب صدغيه بحركة ثابتة وأردف قائلا بتبرم
أها طيب! 
كان الطبيب على وشك الانصراف فاعترض دياب طريقه قائلا بنبرة متلهفة
استنى يا دكتور 
توقف الأخير عن الحركة مرددا بإيجاز
خير 
تنحنح دياب بحرج قليل
احم أنا كنت بس عاوز أشكرك على تعبك و... ومش هوصيك عليها!
ابتسم له الطبيب بتكلف وهو يضيف
اطمن كلنا بنراعي المرضى هنا!
رد عليه دياب بنبرة جادة
أنا عارف بس دي اهتم بيها شوية زيادة سامع خد بالك منها!
بادله الطبيب ابتسامة سخيفة مصطنعة وهو يقول
ماشي وربنا يخليهالك!
نظر له دياب شزرا وتمتم ساخرا
بأقوله اهتم بيها شوية مش مراتي يعني عشان يقولي ربنا
يخليهالك!
..............................
بعد مرور يوم
استقل الحاج فتحي القطار ليصل إلى وجهته مجبرا فبعد أن تلقى خبر ۏفاة حنان من منذر اضطر أن يوقف جميع أعماله و أصبح لازما عليه الحضور للوقوف إلى جوار ابنتها وتولي شئونها ريثما تستعيد عافيتها خاصة بعد أن عرف بعلتها.
فهو يعد نفسه بمثابة خالها وقريبها الوحيد المعروف لدى أهل قريتهم.
وعلى مضض كبير سافر إليها لاعنا طوال الطريق تلك الظروف التي أجبرته على تعطيل أعماله نتيجة ۏفاتها.
تلقى التعازي من أغلب رجال القرية وكذلك التوصيات على تلك اليتيمة حتى لا يتركها بلا ظهر أو سند.
لكن هذا لا يقارن بخسارته المادية لتوقف العمل.
حدث نفسه بإستياء كبير وهو يطالع الطريق الزراعي من نافذته المجاورة
هي ناقصة خسارة! كل ما ألمها من حتة تفرك من الحتة التانية! 
زفر بضجر متابعا حديث نفسه
ولسه موال البت أسيف مش معقول هاسيبها لوحدها كده في بلد غريبة! 
هز رأسه بحركة ثابتة وهو يردد لنفسه بنبرة عازمة
هي هترجع معايا وبعد كده أشوفلها حد معرفة يتجوزها وأسترها وأرتاح من همها! جوزها يشيل عني! أنا مش ناقص!
.....................................
حمدلله على سلامتك يا ضنايا 
قالتها عواطف وهي تلف ذراعها حول خصر ابنتها لتسندها أثناء خروجهما من باب المشفى الأمامي 
لم تعقب عليها بسمة وواصلت سيرها بتمهل شديد وهي منكسة لرأسها للأسفل.
مسحت عواطف بيدها الأخرى على وجه ابنتها قائلة بتلهف خائڤ
وربنا كان هيجرالي حاجة لما عرفت من دياب إنك هنا!
اشتدت تعابير وجهها بعد سماعها لإسمه وتحولت نظراتها للإنزعاج 
أكملت أمها قائلة بإمتنان
كتر خيره جدع ابن أصول قام بالواجب وزيادة!
ردت عليها بسمة بصعوبة بنفاذ صبر
كفاية بقى يا ماما دماغي صدعت من سيرته هو اعمل ايه يعني
ها ايه الأخبار
هتف بها دياب متسائلا وهو يقف قبالة بسمة مسلطا أنظاره عليها.
رفعت وجهها فجأة للأعلى لتحدق فيه پصدمة مزعوجة.
هللت عواطف قائلة بسعادة
سي دياب لسه كنت بأشكر فيك و....
التفتت بسمة إلى والدتها ناظرة نحوها بضيق كبير وهتفت مقاطعة من بين شفتيها على مضض
خلاص يا ماما بقى!
نظر لها دياب بقوة وهو يقول بابتسامة باهتة
واضح كده إن الأبلة لسه تعبانة!
ردت عليه بسمة بحدة 
لأ أنا بقيت كويسة!
همست لها عواطف محذرة من أسلوبها الفظ
كتر خيرك يا بني هي بفضل الله بقت أحسن وهناخد تاكسي من هنا
اعترضت على ما قالته مرددا بإصرار
ليه تاكسي ما العربية معايا تعالوا أوصلكم في سكتي
احتجت بسمة مرددة بضيق
لأ مش عاوزين
كزت عواطف على أسنانها قائلة بصوت خفيض وهي تميل برأسها على ابنتها
يا بت خليكي كويسة مع الناس دي شكرا بتاعتك هو أنا اللي هافهمك بردك!
اعترضت بسمة على تخاذل والدتها الغير مبرر أمام تلك العائلة مرددة
الله!
تابع دياب قائلا بجدية وهو يشير بكفي يده
يالا يا أبلة المرور واقف كده هناخد مخالفة!
هتفت عواطف بنبرة متشجعة
حاضر يا بني احنا جايين أهوو!
تحرك ثلاثتهم بخطى بطيئة نحو سيارته المصفوفة بجوار الرصيف.
مدت عواطف يدها لتفتح الباب الخلفي لتجلس ابنتها بأريحية على المقعد بمفردها دون مضايقة من أي شخص. ثم انحنت لتعدل من وضعية حذائها الذي انتزع من قدمها.
انتبهت لصوت ممرضة ما تصيب عاليا
يا حاجة يا مدام! 
تساءلت عواطف بإستغراب وقد تشكل على ثغرها علامات القلق
ايوه يا بنتي في حاجة
أجابتها الممرضة بصوت لاهث
اه انتوا خرجتوا من غير ما توقعوا على اذن الخروج
ضړبت عواطف بكف يدها مقدمة رأسها مرددة بإعتذار
معلش يا بنتي اتلبخنا بقى هاتي أما أمضيلك على الاذن ده!
ناولتها إياه الممرضة وهي تقول
اتفضلي 
ركب دياب سيارته سريعا وضبط وضعية المرآة ليظهر انعكاس وجه بسمة به.
تعمد النظر إليها وهو يقول
بمزاح 
تعرفي حتى ابني يحيى سألني عليكي وزعل أوي لما عرف إنك في المستشفى ده صدمني لما سألني هي الأبلة ماټت ولا لسه!
اتسعت حدقتيها بغيظ كبير لكنه تابع بجدية زائفة
بس أنا زعقتله وبهدلته قولتله دي مش طريقة تتكلم بيها مع الأبلة بتاعتك صح ولا أنا غلطان!
رمقته بنظرات ڼارية مستشاطة ونفخت بصوت مسموع وهي تشيح بوجهها للجانب مكتفية بتجاهله حتى لا تعطيه أكبر من حجمه.
ظل هو محدقا بها وعلى ثغره ابتسامة متسعة ثم لوح بهاتف ما محمول بيده متابعا ببرود
صحيح موبايلك معايا مش ناوية تاخديه
التفتت سريعا نحوه بوجهها العابس وحدجته بنظرات محتدة للغاية ثم مدت يدها لتلتقط منه هاتفها لكنه قبض عليه وأبعده قائلا بتسلية
يعني لولا البتاع ده مكونتيش عبرتيني
ردت عليه بسمة بفظاظة
يا ريت تبطل سخافة لأن دمك تقيل وأنا جبت أخري!
تجمدت نظراته عليها واشتدت ملامحه نوعا ما ثم هتف بقساوة غريبة وهو يقذف بالهاتف خلف ظهره
بجد! خدي 
انزعجت من تصرفه الوقح معه ولكنها ردت عليه غير مكترثة به قائلة باقتضاب متجهم
هات! 
استقلت عواطف هي الأخرى السيارة هاتفة بابتسامة عريضة
ربنا يباركلك يا رب ويكفيك شړ المستخبي! الواحد بصراحة مش عارف يقولك ايه على كرم أخلاقك
رد عليها بجفاء
عادي مش حاجة يعني!
لاحظت هي تبدل تعابيره فظنت أنها ربما تكون هي وابنتها عبئا ثقيلا عليه فأثرت الصمت في الوقت الراهن.
قاد دياب
 

تم نسخ الرابط