رحله اثام
المحتويات
مني.
تحولت أنظار شقيقه الأكبر تجاه الصغير معلقا بوجه تسوده تكشيرة عظيمة
كفاية تعلم ابنك سلام.
ثم غادر متعجلا ليتساءل أوس بغرابة
هو زعلان ولا حاجة يا بابا
قال مهاب في ملامح جدية لا تقبل بالمزح
ماتخدش في بالك المهم عاوزك تفتكر دايما إن العز ده كله بتاعك إنت إمبراطورية الجندي هتستمر بيك إنت وبس.
رغم أن عقله لم يستوعب بعد مدى أهمية ما يقوله إلا أن طريقته الصارمة أوحت بضرورة الالتزام بما أوصاه به وإلا لنال عقۏبة مخالفته.
حركت يدها من على بطنها لتتشبث بمعصمه وهي ترجوه في صوت باك
الحقني يا ممدوح مش قادرة تعبانة...
وقبل أن ينتقل لسؤاله التالي أتمت جملتها
أنا الظاهر بولد.
انتفض كل ما فيه وعاونها على النهوض من مكانها قائلا
طب اسندي عليا.
تعلقت به مرددة بنحيب وكأنه الأمل الأخير المتبقي لها
أنا خاېفة أوي ما تسبنيش.
حاوطها من ذراعه الآخر لئلا تسقط بعدما تعثرت وهي تخطو للخارج نظر إليها بقلق حقيقي مؤكدا لها وهو يصحبها نحو سيارته المرابطة بالأسفل
وفيما كان جالسا بأعصاب مشدودة وقسمات غير مرتخية بمنطقة الانتظار المخصصة لأهالي المرضى التقطت عيناه ذلك الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات قفز واقفا من موضع جلوسه ليسرع في خطاه تجاهه متسائلا عن الأخبار فأعطاه البشرى بمولد طفليتين رقيقتين كالنسمات اللطيفة ابتسم في غير تصديق وابتهج كليا للدرجة التي جعلته يحتضنه بقوة وهو يردد
أكد له بإيماءة من رأسه
أيوه يا دكتور ممدوح مبروك عليك يتربوا في عزك.
شكره
على عبارته المجاملة وانتظر على أحر من الجمر خروج رضيعتيه وكذلك زوجته من الداخل ليراهن معا. حينما انتقل الثلاثة إلى غرفة مستقلة ذهب إليهن والفرحة تملأ محياه ظهرت ابتسامته المشرقة على الأخير وخاطب تهاني بعد أن قبل جبينها
نظرت له من بين دموعها المنسابة واكتفت بادعاء الابتسام فتابع مهنئا إياها
مبروك يا حبيبتي.
علق في حواف رأسها إخباره عما تسبب لها في الحزن لكنها تراجعت ارتاعت من فكرة إثارة حنقه وهي تراه في قمة سعادته عدلت عن رأيها وحافظت على ابتسامتها المهزوزة وهي تكلمه
بقى عندك بنتين زي القمر.
قال وقد انتقل للفراش الصغير المخصص للرضيعتين النائمتين كالملائكة
نظر ممدوح ناحيتها قبل أن يعاود التحديق فيهما متابعا حديثه المتفاخر
في يوم وليلة بقى عندي عيلة من صلبي أنا...
ما لبث أن انخفضت نبرته وهو يختتم باقي جملته
مش بربي في الغريب!
لم تسمع تهاني ما نطق به بوضوح ولم تهتم لذلك اكتفت بسؤاله
ها ناوي تسميهم إيه
مط فمه لهنيهة وكأنه استغرق في التفكير ليردد بعدها
جاي على بالي اسمين مميزين.
لم تمانع تهميشها أو حتى إقصائها من مشاركته هذا الأمر وأبدت ترحيبها الكامل بإعلانها الصريح
اللي إنت حابه إنت أبوهم.
داعب ممدوح يدي الرضيعتين بإصبعيه واستطرد في عزم
هسميهم ليان وبيسان.
أثار اختياره المميز إعجابها فاستحسنته وأيدته دون نقاش
الله! حلوين أوي.
عاد ممدوح ليخاطب الرضيعتين مشيرا إلى كل واحدة على حدا بنظراته المهتمة
إنتي يا سكر اسمك ليان وإنتي يا قمر هيبقى اسمك بيسان.
الټفت مرة أخرى متسائلا في مرح
شبهي صح
وضعت يدها على جبينها وردت بعدما أغمضت عينيها لتستريح
حتة منك ما إنت أبوهم.
لم يعد يساوره أي شك في هذه اللحظات الفريدة أنه أحرز تقدما يستحق الثناء عليه في لعبة التنافس الذكوري والتي ما زال معتقدا باستمرارها بينه وبين رفيقه انتشى على الأخير وردد في زهو وعيناه اللامعتان ببريق السعادة لا تفارقان طفلتيه
أهوو بكده أبقى أنا البريمو يا مهاب!!!
يتبع الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الضحېة
عند المقاپر وقبيل وقت الظهيرة تقريبا في موعده الشهري كان متواجدا هناك أبقى على ذراعيه مرفوعين للسماء وهو لا يزال يدعو بأدعيته المهموسة لعل وعسى يستجيب المولى له ويغفر لها ما اقترفت من ذنوب فمنذ أن فارقت الحياة قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر وقلبه يلتاع لرحيلها بهذا الشكل المأساوي ظلت الأسئلة والخواطر تطوف في رأسه بلا أجوبة محددة ولم يسع لتحري الحقيقة اكتفى بتذكر آخر كلماتها وهي رغبتها في نيل غفرانه. مسح عوض على وجهه براحتيه وتأهب للذهاب لكن استوقفته إحدى السيدات بالنداء عليه أخفض بصره وسألها
خير يا ست في حاجة
بحركة لا إرادية شدت المرأة من حجابها على رأسها وخاطبته في حزن مبالغ فيه
قلبي عندك يا سي عوض المرحومة كانت غالية عندي ومكونتش بتأخر عنها في حاجة.
رد عليها بحذر ودون أن ينظر تجاهها
ربنا يكرمك.
هم بالتحرك لكنها استوقفته بجملتها المريبة
هي في بس حاجة مضايقاني ومحسساني بالذنب ومش مخلياني أتهنى في نومة أبدا.
لحظتها اضطر أن ينظر إليها متسائلا بقلق
خير
أجابته بشيء من التردد وهي تشير بيدها
والله العظيم ولأجل الحلفان لو كنت أعرف إنها عايزة الزفت ده عشان نفسها ما كنت جبتهولها.
حديثها إليه كان أشبه بحل قطعة من الأحجية فسألها مستفهما
بتاع إيه
تلفتت حولها بنظرات قلقة قبل أن تستجمع جأشها لتقول في صوت خاڤت وكأنها تخشى سماع أحدهم لها
مياه الڼار!
برقت عيناه ذهولا من الصدمة غير المتوقعة فاستمرت تستفيض في الشرح
أصل المرحومة ربنا يبشبش الطوبة اللي تحت راسها كانت طلبته قبل ما يجرالها اللي جرى بكام يوم ومكونتش عارفة هي عايزاه ليه فكرتها ناوية تنضف بيه البوتجاز ولا تشيل بيه جلخ الأرضيات.
من هول صډمته لم يحاول عوض البحث عن تفسير آخر لسبب ابتياعها لتلك المادة الكاوية واكتفى بتصديق أنها كانت بحاجة إليه لتستخدمه في التنظيف أطرق رأسه للأسفل وردد
قدر الله وما شاء فعل.
كانت على وشك الكلام مرة ثانية فرفع كفه ليمنعها من التفوه بشيء وطلب منها في صوت هادئ لكنه جاد
هي عند اللي خالقها ادعيلها بالرحمة والغفرة.
في التو علقت بعد زمة سريعة لشفتيها
ألف رحمة ونور عليكي يا ست أم عوض دي كانت ست خيرة والكل بيحبها ومحدش عمره شال منه.
لم يحبذ البقاء مطولا معها فقال منصرفا
معلش هستأذنك أنا.
تنحت للجانب وقالت وهي تطالعه بنظرة آسفة ومتعاطفة
اتفضل يا سي عوض.
خطا مبتعدا عنها ورأسه يعج بعشرات الأسئلة طغى عليهم جميعا واحد بعينه فتساءل كأنما يكلم نفسه
يا ترى كنتي ناوية تأذينا بيه والحق خد حقه قبل ما ده يحصل
ظل على حيرته المهلكة فتابع في يأس
ربنا وحده اللي عالم بنيتك يامه!
أكمل سيره المتخاذل وهو يهز رأسه للجانبين محادثا نفسه
مافيش منه رجا ربنا يرحمك يامه ويعفو عنك.
...........................................................
فتكت بها موجات الصداع المتواترة وكأنها تصارعها بلا معركة ظاهرية جراء بكاء صغيرتها المتواصل فمنذ مطلع النهار وهي على نفس الحالة الباكية ورغم محاولتها بذل الجهد لتلبية احتياجاتها الأساسية إلا أنها لم تكف أو تتوقف عن الصړاخ مما جعل أعصابها تتوتر للغاية وتزداد انفعالا وحنقا منها. نظرت فردوس شزرا لرضيعتها وصاحت بها في استياء عارم بعدما فاض بها الكيل وفشلت كل الطرق في إسكاتها
كفاية بقى إيه مابتتعبيش
نهضت من جوارها وتركتها بمفردها على الفراش واستمرت تصرخ فيها
أنا دماغي صدعت لا بقيت عارفة أنام ولا أقعد ولا أعمل أي حاجة
في لحظة طيش عابرة قذفتها بالوسادة وهي تزيد من صياحها اللائم
عملت إيه في دنيتي عشان أفضل في الهم ده
تطلعت إلى نقطة بالفراغ ودمدمت في صوت محموم
وهذه الحمرة الناقمة تشتعل في حدقتيها
حتى تهاني من ساعة آخر مرة كلمتني فيها ولا حس ولا خبر.
تحولت دفة العتاب تجاهها فحملتها كل الذنب في كراهية راحت تتأصل في أعماقها
كأنها مصدقت تنساني زي
ما نسيتنا زمان.
قست كامل تعبيراتها واسودت نظراتها وهي تدعو في حړقة
ربنا يخلص منها وتشوف الغلب والمرار في حياتها!
شعرت بوطأة حقدها عليها يتأصل بداخلها وتركت تأثيره السيء يتغلغل فيها مؤكدة لنفسها أنها تستحق هذه العداوة جراء ما ارتكبت من قطيعة وخصام.
......................................
كقطعتين من فاكهة الجنة تململت الرضيعتان في رقة وهما مستلقيتان في سريرين متجاورين تموءان في صوت خفيض كاستجابة لملاطفة شقيقهما الأكبر لهما مرر أوس ناظريه بينهما تأملهما في صمت وراح يداعب كل واحدة على حدا وكأنه يستكشف طبيعة شخصيتيهما غير المفهومة له باللعب الحذر معهما. لم يشعر بمراقبة والدته له كانت الأخيرة مستمتعة برؤية ابنها البكري يبدي اهتمامه بالطفلتين كانت تخشى من عدم تقبله لهما تبددت مخاوفها مع ما تشهده في هذه اللحظات المميزة تشجعت لتمضي تجاهه وهي تقول في صوت أمومي مملوء بالفخر
ربنا يخليكم لبعض.
وضعت يدها حول كتفيه وضمته إلى صدره لتضيف بعدها في شيء من التوصية
إنت أخوهم الكبير لازم تاخد بالك منهم دايما ومتخليش حاجة تأذيهم.
أبقى أوس على نظراته الحائرة موزعة بينهما ثم سألها فجأة وكأن هناك سؤال ما علق في رأسه
هما ممكن يكرهوني
تخشب ذراعها على كتفيه فالتفتت كليا تجاهه وأجبرته على الاستدارة ومواجهتها اندهشت لتفكيره المريب وسألته بشيء من القلق والتخبط
ليه بتقول كده يا حبيبي
بلا تزييف أجابها
عشان أنا مش بحب باباهم.
لن تنكر أنها أحست بالضيق لجوابه الصريح والذي أصابها بالكدر لفظت دفعة من الهواء وتكلمت في تحيز محاولة إظهار عدم صواب تفكيره ناحيته
أوس إنت ليه پتكره عمو ممدوح ده هو بيعمل كل حاجة عشان يشوفك مبسوط.
أصر على كراهيته له بقول المزيد وكأنه يفضح عيوبه التي تتغاضى عنها
هو كداب.
وقتئذ ثارت لما اعتبرتها إهانة وقحة موجهة لزوجها فاشتدت قبضتيها على منبتي كتفيه وعنفته في ڠضب منفعل وقد راحت تهزه بعصبية
عيب تقول كده عليه ده ليه مقامه واحترامه وأنا مش هسمحلك تقل منه.
بقوة غريبة سرت في عروقه دفع قبضتيها عنه ليتحرر منها ثم اندفع نحو الخارج متجاهلا زعيقها
استنى هنا! إنت رايح فين
تجمدت في مكانها وقد بدأت الرضيعتان تبكيان لصوت صړاخها المفزع نظرت إليهما بتحير وتساءلت بعدما تهدل كتفاها في إحباط
أعمل معاك إيه بس يا أوس
لحظتها شعرت وكأنه يصعب عليها التعامل مع ما أسماه زوجها بتمرده الصريح على قواعد الأسرة أطرقت رأسها في ضيق وظلت تقول بصوت يائس
شكلك هتبقى واخد طريقة أبوك متعب لكل اللي حواليك!
لم تلحق به وأثرت إهماله إلى حين إدراكه مدى خطأه إذ ربما يكف عن التصرف بطفولية معاندة ويتحمل نتائج سلوكه غير المنضبط.
........................................
أرادت تحميله وزر تأخيره عن العودة للمنزل في وقت مبكر وتركها هكذا غالبية الوقت بمفردها تعافر لرعاية الرضيعة وهي تفتقر للرغبة في فعل ذلك. استقبلته فردوس عندما عاد بتقاسيم عابسة ونظرة وجه متجهمة ألقى عليها التحية فردت في صوت متحفز ويدها موضوعة عند منتصف خصرها
ما لسه بدري يا عوض
تقدمت
متابعة القراءة