رحله اثام

موقع أيام نيوز

بس وجوده جمبي كان محلي حياتي..
ما زالت تعابيره متعكرة غير رائقة يشوبها الضيق رغم أنها أكملت عبارتها بما ظنت أنه سيسره
زيك بالظبط.
رمقها بنظرة مؤنبة قبل أن ينهض فجأة من جوارها استغربت لابتعاده عنها بهذا الشكل المريب وسألته في صوت مال للڠضب
إنت رايح فين
لم ينطق بشيء وأظهر جفاء غريبا ناحيتها فما كان منها إلا أن صړخت في حمئة
أوس تعالى هنا ماتدوخنيش معاك!
غادر غرفتها فاستفزها رحيله غير المبرر وصړخت به وقد استحوذت عليها نوبة ڠضبها الهوجاء
إنت زي أبوك دايما تحبوا تعذبوا وتذلوا اللي حواليكم!
مضى في طريقه متجها إلى غرفته وصوت صړاخها الحاد لا يزال يرن في أرجاء المنزل لم يعرف حقا على من كانت تصب جام ڠضبها عليه أم على أبيه لكنها صدقت في وصفها بأنه يشبه أبيه في هدوئه القاټل وتسلحه بالصمت عندما لا يعجبه ما يقال من حوله.
تعلقت وتشبثت وتمسكت بذلك الأمل أن يكون القدر رحيما بها ويعطيها هدية غالية تضمن بها وصل ما انقطع خاصة مع طول الغياب واستمرار البعد والفراق. للمرة الثانية أجرت تهاني اختبارات الحمل لتتأكد من صحة النتائج ابتهجت وسر قلبها مع الأنباء المفرحة. ضمت أوراق تحاليلها إلى صدرها وهي تكاد لا تصدق أنها تحمل في أحشائها بذرة حبها المتيم به. أدمعت عيناها من فرط السعادة وهتفت مع نفسها
يا ريتك كنت هنا يا ممدوح أكيد كنت هتفرح زيي.
غمرها الشوق وراحت تتنهد قائلة
إنت وحشتني أوي.
سرعان ما استبد بها الخۏف فتكلمت پذعر مفهوم
بس لو مهاب عرف!!
هربت الډماء من بشرتها وتقطع صوتها وهي تكمل حديث نفسها الجاد
ده آ.. ده ممكن يأذيني.
غاصت في تفكير عميق لبضعة لحظات قبل أن تقول في حسم
أحسن حاجة أعملها إني أخبي الموضوع ده لحد ما ممدوح يرجع.
ما لبث أن امتلأ وجهها بأمارات الضيق وهي تتساءل في تردد
طب وأوس
اتخذت قرارها الحاسم بشأنه أيضا
مافيش داعي يعرف هو كمان!
خفضت تهاني من يدها على بطنها تتحسسه في رفق ممزوج بالمحبة لتقول بعدها في نشوة بائنة في عينيها
إنت هتفضل سري الغالي مؤقتا.
وخزات الألم والنغزات التي تفشت في محيط ظهرها كانت في البداية متفاوتة متباعدة لكنها صارت تداهمها في أوقات متقاربة. قاومت الصړاخ وكافحت لتصمد
وحاولت الاسترخاء على الفراش ومع ذلك فشلت حيث غلبها إحساسها بالۏجع الشديد فنهضت من مكانها ودارت حول نفسها في غرفتها إلى أن اڼهارت قدرتها على التحمل انفلتت منها صړخة مفزعة جعلته يأتي إليها على عجل. أضاء عوض مصباح الغرفة لينظر إلى زوجته التي وقفت في المنتصف تنحني للأمام ويدها موضوعة على بطنها المتكور وكأنها تخشى سقوطه سألها في جزع
في إيه يا فردوس
نظرت إلى الماء المتدفق من بين ساقيها ليشكل بركة متزايدة بعينين متسعتين في ړعب استوعبت ما يجري معها وصړخت بعدها في فزع متزايد
الظاهر بولد إلحقني.
ركض نحوها حتى بلغها ثم تساءل مدهوشا وكأنه لا يصدق مثلها حدوث الأمر
دلوقتي ده لسه بدري على ميعادك!
صاحت به في عصبية وهي تشد بأصابعه المتشنجة على بطنها
بقولك بولد ده القرن طش إنت مش شايف ولا إيه
سيطرت عليه حيرة واضحة وسألها في تخبط
طب أعمل إيه
لكزته في كتفه قبل أن تهدر به
وديني المستوصف أوام وفوت على إجلال خليها تحصلنا.
هز رأسه هاتفا في طاعة
ماشي.
................................................
أبلغوه في المشفى المتواضع بعدما تم إدخالها لغرفة العمليات أن ولادتها مبكرة ومتعسرة وإذ ربما لا ينجو الجنين الذي نما في أحشائها خاصة مع فقدانها لكميات كبيرة من الماء وقع الصدمة كان قاسېا عليه ومفطرا لقلبه لحظتها أحس بانسحاب روحه من جسده وبكى بكاء حارقا فكم رجا الله أن يحظى برضيع يعيد الوصال مع زوجته بل يرأب الصدع الذي أقيم بينهما. حضر الشيخ عبد الستار لمؤازرته فسحبه بتؤدة ليجلس على مقاعد الانتظار بالاستقبال ثم خاطبه في لهجة لينة مترفقة
إنت مش مؤمن يا عوض بقضاء الله وقدره
أومأ برأسه قائلا والحزن الجسيم يخيم عليه
أيوه يا شيخنا وراضي بالنصيب ودايما حامده وشاكره.
ابتسم محدثه في وداعة وهو يتابع بيقين عظيم
ربنا سبحانه وتعالى بيقول أنا عند ظن عبدي بي فأحسن الظن بالله.
أحنى رأسه على صدره متمتما
ونعم بالله.
مد الشيخ عبد الستار يده نحو كفه المسنود على فخذه ربت عليه برفق وأمره في هدوء
ادعي ربنا يقومهالك بالسلامة وخليك عارف إن ربنا رؤوف رحيم.
وكأن بكلماته البسيطة أعطاه الحل الناجز فطبب بجراحه الغائرة ليرفع بصره بعدها للسماء ولسانه يتضرع في صوت مهموس
يا رب نجيها هي واللي في بطنها يا رب سمعني كل خير عنهم!
............................................
جاءته البشرى كنسمة عليلة هبت في نهار شديد الحرارة لتمحو قساوة أشعة الشمس الحاړقة. أخمد الخۏف البازغ في نفسه وازداد يقينا في قدرة المولى عزوجل ومقدرته على فعل كل شيء وقتما شاء وأراد. استجيب دعائه وأبلغته الممرضة بنجاة زوجته وإنجابها لطفلة صحيحة البدن لا تشكو علة أو مرض في سابقة غريبة تشبه المعجزة في حد ذاتها. من فرط سعادته احتضن عوض الشيخ الجليل بحماس متقد وهلل مبتهجا
الله أكبر الحمدلله يا رب.
ربت الأخير على ظهره بضعة مرات وخاطبه
ربنا عطائه غير محدود.
تراجع عنه ليرفع كفيه للأعلى هاتفا في حبور عظيم
اللهم لك الحمد والشكر.
أوصاه الشيخ بصوته الهادئ الوقور
روح اطمن على مراتك وخد بنتك في حضنك.
أذعن له في الحال
هيحصل يا شيخنا.
قبل أن يهم بالمغادرة شدد ليه في نفس النبرة اللينة
وماتنساش تتقي الله في عطيته ليك وتحافظ عليها دي أمانة استودعها عندك.
قال بوجه مبتسم وعينان تضحكان
حاضر يا شيخ عبد الستار كلامك كله على راسي.
دعا له الشيخ بصدق ومحبة
ربنا يراضيك يا عوض ويعوضك خير في ذريتك.
يا رب أمين.
قال جملته هذه وهو يهرول ركضا ليتبع الممرضة التي سبقته نحو الردهة لم تخبت ابتسامته الراضية وظل لسانه يلهج بالشكر الكبير
الحمدلله يا رب الحمدلله على كرمك معايا.
جلجلت ضحكته بعدما حمل
بين ذراعيه قطعة من الجنة رائحتها كالمسک وجمالها يشبه الملائكة. اندهشت فردوس من الفرحة العارمة التي أصبح عليها زوجها فقد توقعت بتفكيرها المحدود أن يحزن لإنجابها أنثى لا مثلما يرغب غالبية الرجال في أن يكون مولودهم الأول ذكرا. لن تنكر أن ضيقها منه ما زال نابضا لكن سعادته الكبيرة غطت مؤقتا على كل ما تضمره تجاهه. تقلبت على جانبها لتتطلع إليه وهو يجاور فراشها متسائلة بصوت شبه واهن معلنة بشكل غير مباشر عن عدم رغبتها في مشاركته ذلك الأمر المصيري
هتسميها إيه
ظهر التردد على محياه وقال وهو يهدهد مولودته الحديثة بترفق حذر
مش عارف أنا لسه مش مصدق إني شايل الملاك ده بين إيديا.
وكأنها عجزت عن كتم حنقها أمام سروره المستفز فسألته في غير احتراز
ما تقول لأمك عشان تيجي تكتم نفسها وتموتها وأهو بدل ما نطلعلها شهادة ميلاد نخليها ۏفاة مرة واحدة.
اختفت البسمة من على قسماته وانقشعت السعادة من عينيه ليسود العبوس في كامل وجهه نظر ناحيتها وسألها في عتاب جلي
ليه الكلام ده يا فردوس
أتى ردها محموما بڠضبها المكبوت
ما هي كانت عايزة تخلص عليا وعليها ...
تقلب على شوك كلامها القاسې وجرحت مشاعره وهي لا تزال تضيف
ومش بعيد عملت ده بموافقتك!
حاول امتصاص حنقها بترديده
بلاش سوء الظن أنا أقسمتلك مليون مرة إني مكونتش أعرف.
من جديد تعبأ الجو بالتوتر عندما باحت فردوس بما يستعر في نفسها المكدومة
اللي بينا انكسر من زمان من يوم ما غدرتوا بيا والعيلة اللي جت دي عمرها ما هتصلحه ده لو إنت مفكر كده.
لو كان يقدر عوض على إعادة الزمن للوراء لما تردد للحظة ولسعى لمحو هذه اللحظات المدمرة لحياته يا ليته لم يقم بزيارة أمه! أو يقبل بهديتها! قاوم عبرات متأثرة تلألأت في حدقتيه ليخاطبها في ودية
ربنا واحده قادر يغير اللي في القلوب وينسينا اللي حصل.
أصرت على جفائه بقولها القاسې
لو إنت نسيت فأنا استحالة أنسى.
استعطف مشاعرها
الأمومية البازغة باستجدائها
طب خلينا نفكر في بنتنا دلوقتي.
لاذت بالصمت فاقترب منها مسافة خطوة واحدة وسألها مجددا كأنما يحاول تذكيرها بهبة الله إليهما
يا ترى حابة اسمها يكون إيه
بحرص شديد دفعت جسدها لتتقلب على الجانب الآخر ثم أخبرته في غير مبالاة
مش فارقة سميها زي ما إنت عايز.
استاء من معاملتها الجافية معه ونظر إلى رضيعته بحزن عاجز فإرضاء أمها كان عسيرا ومحيرا. تململها الرقيق بين ذراعيه جعله يتناسى في غمضة عين همومه الثقيلة تجول بها بعيدا عن فراش والدتها الحانقة ليخاطبها في همس متشوق
أيوه لاقيتها ...
التمعت عيناه بهذا البريق الحماسي وقد طاف بخلده اسما متفردا ظن أنه لائق بها وتستحقه. رفع رضيعته للأعلى قليلا ثم انحنى بفمه المبتسم على جبينها ليطبع قبلة صغيرة عليه قبل أن يهمس عند أذنها في صوت عذب أشبه بالسحر
أنا هسميكي تقى!!!
يتبع الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
لا تعبث مع غريمك
لم تدخر وسعها في إبداء مظاهر فرحتها بمولودة جارتها العزيزة وتولت بنفسها مهمة إعداد مشروب المغات الساخن لتوزعه على الجيران وأهالي المنطقة احتفاء بمرور أسبوع على ميلاد الصغيرة تقى. أحضرت إجلال الأوعية الفخارية التي تحتفظ بها والدتها وملأتها بالمزيد لتقوم برصها بحرص في صينية واسعة وأعطتها لأخرى وهي توصيها
شوفي مين ماخدش وقوليلي عاوزة الحتة كلها تفرح.
حملته الجارة في حرص واضح وهي ترد
من عينيا.
نظرت فردوس لرفيقتها بامتنان وقالت بتحرج
والله ما كان ليه لازمة ده كله.
ردت عليها باسمة
ما تقوليش كده يا دوسة إنتي مش متخيلة أنا فرحانة بيها إزاي والله ولا كأنها بنتي.
زمت في شيء من العبوس قبل أن تخبرها
خسارة المصاريف والتكاليف هو إنتي ناقصة!
عاتبتها بنظرتها أولا لتعلق عليها بعدها
والله أزعل منك ...
ما لبث أن عادت لابتسامتها اللطيفة وهي تكمل جملتها
ما تشليش هم حاجة وبعدين سبيني على راحتي أنا عاوزة أفرح الناس كلها وزي ما بيقولوا الخير على قدوم الواردين.
مجددا شكرتها فردوس بلا ابتسام وهي تسلط نظرة فاترة إلى رضيعتها
ربنا يخليكي ليا.
السعادة التي شعر بها منذ اللحظة الأولى التي حملها فيها بين ذراعيه كانت لا توصف ولا تقارن بأي فرحة أخرى مرت عليه طوال سنوات عمره كان كمن وهب سعادة أبدية. ولج عوض إلى المسجد وباشر عمله وهو في قمة نشاطه وسعادته انهالت عليه المباركات والتهنئات من كل من يعرف ومن لا يعرف التقى بإمام المسجد الشيخ عبد الستار فاستطرد في وقار ممزوج ببسمة هادئة 
مبروك يا عم عوض تتربى في عزك.
احتضنه الأخير في سرور وهو يرد عليه
الله يبارك فيك.
ربت الشيخ على ظهره مرددا بنفس الصوت الهادئ والملامح المبتسمة
جعلها المولى مباركة عليك يا عوض.
عقب عليه مبتهجا
الله يكرمك يا شيخنا.
خفض عوض من ناظريه عندما وجده يمد يده بمظروف أصفر مطوي ناحيته وهو يخبره
اتفضل.
سأله مندهشا والحيرة تسيطر أيضا على نظراته
إيه ده
احتفظ الشيخ بملامحه المسترخية وهو يجيبه
نقوط المولودة.
في قدر من الحرج اعترض عليه رافعا المظروف تجاهه
ليه بس يا
تم نسخ الرابط