رحله اثام

موقع أيام نيوز

ذلك التعاطف وهي الأكثر جحودا على الإطلاق. جلست على طرف الفراش ملاصقة لها قبل أن تهتف في صيحة استهجان
فكرك يعني هي هتحس بيكي وترجع لما ما ترضيش تاكلي وټعيطي عليها
ثم ضړبت بكفيها معا وهي تضيف
هي خلاص يامه .. شافت حياتها ونسيتنا.
ابتلعت فردوس غصة مريرة واستمرت تقول
طول عمرها كده متمردة على حياتنا مش عجباها...
ومين يرضى بعيشة الفقر والغلب!!
رمقتها بنظرة مقهورة قبل أن ترجوها بيأس
نفسي تحسي بيا وتقدري اللي بعمله عشانك.
بكت فردوس هي الأخرى تأثرا بما جال في نفسها خلال هذه اللحظات الحساسة وراحت تدمدم
خمس سنين يامه بعمل كل حاجة عشان ترجعي زي الأول.
مسحت بظهر كفها ما انسال على وجهها من دمع وأكملت بنفس الشجن
لا اشتكيت من فقر ولا فتحت بؤي بكلمة نفسي تكلمي تاني..
توسلتها باستعطاف يفطر نياط القلوب
يامه .. إنتي آخر حد فاضلي في الدنيا من بعد ما خالتي ماټت مش عايزة أخسرك إنتي كمان عشان خاطري كفاية زعل وحزن على ناس ما تستاهلش!
نهضت بعدئذ من على الفراش وحملت الصينية ثم قدمتها لها قائلة
كلي حاجة وريحيني.
نبذت عقيلة الصينية بيدها وأبعدتها عنها ليتضاعف الحنق في نفس ابنتها. بالكاد تمالكت أعصابها وهسهست 
لا حول ولا قوة إلا بالله طب أعمل إيه بس عشان ترضي
ما كان من والدتها إلا أن
أولتها ظهرها وتجاهلتها ليملأ روحها المزيد من الحقد والغيظ تحركت فردوس مغادرة الغرفة وهي تقول في حړقة
منك لله يا تهاني هتجيبي أجل أمك حتى وإنتي بعيدة!
لم تنجح كتلة مساحيق التجميل التي لطخت بها تقاطيع وجهها في إخفاء الحزن العميق والراسخ فيها حتى عيناها كانتا مكسوتان بحمرة ملتهبة جراء بكائها الذي لا ينقطع. بدت تهاني وهي جالسة في المطعم بصحبة ممدوح واجمة للغاية شاردة في أغلب الأحيان انتظرت اللحظة التي ترك لها العنان لتفرغ مكنونات صدرها فانطلقت في شكواها كعادتها خلال لقائها المنتظم به حينما يغادر زوجها البلاد ويذهب لواحد من مؤتمراته الطبية الهامة ويغيب لعدة أيام.
خلاص مابقتش قادرة.
نظر لها بتعاطف ماكر ومد يده ليمسك بكفها المفرود على سطح الطاولة لم تمانع مسكته واستمرت في استرسالها
أنا بمۏت في اليوم ألف مرة وهو ولا فارق معاه بيعمل كل حاجة مقرفة عشان يقهرني.
شعر بتشنج أصابعها على كفه وهي تضيف بصعوبة
خېانة وشرب وحاجات ماتخطرش على البال.
فاضت الدموع من عينيها ولم تكترث برؤية من حولها لها وهي تبكي تطلعت إليه بعجز قبل أن ترد في شرود مغلف بالندم الكامل
يا ريتني قولت لأ من الأول يا ريتني.
بيده الأخرى احتضن ممدوح نفس كفها بث إليها الدفء وتوسلها بنبرته الحنون المدسوس بها سم الأفعى
اهدي يا تهاني ماينفعش اللي بتعمليه ده الناس هتاخد بالها.
ردت عليه بمرارة
يا ريت حد ياخد باله على الأقل كنت اترحمت.
شعرت بيده تشتد على راحتها ورأت نظراته تحتويها ليخبرها مؤكدا بلؤم
أنا هنا .. موجود جمبك.
سكتت بعدها للحظات قبل أن تسحب يدها معتذرة منه
أنا أسفة يا ممدوح شغلتك معايا زي تملي بس ماليش غيرك هنا.
تخليها عن الألقاب الرسمية بينهما جاء بعد توطيد صداقتهما السرية والتي دامت لفترة ممتدة 
متقوليش كده بجد هزعل لو إنتي بس تسمحيلي آ...
كانت تعرف ما يريد قوله قبل أن ينطق به التدخل لإنهاء هذه الزيجة بأقل الخسائر مثلما كان يخبرها فقاطعته في التو
أرجوك أنا مش عاوزاه يعرف إني وصلت للحالة دي ما هيصدق يزيد أكثر كفاية إني لاقية حد بفضفض معاه بدل ما أتخنق وأموت.
عاتبها بنظرته الرقيقة وهو يفوه بجزع
بعد الشړ خسارة الجمال ده يتدمر كده.
استخدمت تهاني منديلها القماشي لتمسح بخفة ما بلل وجنتيها وقالت بعد أخذها لنفس عميق
أنا مستحملة ده كله عشان ابني بس مسيره يكبر ويعرف أنا عملت إيه عشانه.
تصنع الابتسام حين علق
أكيد طبعا...
مجددا تجرأ واحتضن يدها ليوصيها باهتمام زائد
المهم عندي دلوقتي تهدي وتريحي أعصابك.
بادلته الابتسام الخاڤت وهي تقول بعد تنهيدة بطيئة تاركة إياه يداعب أصابعها
هحاول.
فرغت لتوها من توزيع ما قامت بخبزه من فطائر صغيرة بمساعدة جارتها المقربة على الفقراء والمعدمين أثناء تواجدهما بمنطقة المقاپر. طوت فردوس الكيس البلاستيكي الخالي ووضعته في آخر تحمل فيه أشيائها الصغيرة كان النهار حارا ونسمات الهواء شبه معډومة فراح العرق يتصبب من جسدها بغزارة لذا استخدمت كم عباءتها لتمسح به حبات العرق المتجمعة عند جبينها أدارت رأسها قليلا نحو إجلال عندما خاطبتها باستحسان
القرص المرادي مخبوزة حلو.
أخبرتها بلا ابتسام
عشان حطينا فيها سمنة بلدي.
ظلت جارتها على أسلوبها الودي وهي تتكلم إليها
عادة ماتتقطعش يا حبيبتي وربنا يجعلها بثوابه.
نظرة مهمومة ألقتها الأخيرة على شاهد القپر الذي يضمن بداخله رفات خالتها الراحلة وكذلك من سبقوها قبل أن ترد بصوت بائس
كله عشان خاطر أمي.
لاحت على ثغر جارتها بسمة راضية حين أضافت
مالناش بركة إلا هي.
بدأت فردوس بالسير عبر الطرقات الضيقة لتخرج من هذه المنطقة شردت في وجوم متذكرة كيف تغذى الحزن على صحة والدتها ونهل من عافيتها فتركها كالأشباح بالكاد ټصارع للبقاء 
نفسي تسيبها من الهم اللي قضى عليها والتفكير في تهاني ده اللي راح ما بيرجعش.
لم توافقها الرأي وحادثتها بصوت مال للجدية
ڠصب عنها هي أم والضنا غالي.
ردت عليها بشيء من النقم
ده لما يكون يستاهل.
تفهمت موقفها المعادي وحاولت إظهار بعض
التقدير لها بقولها
معلش يا دوسة هوني على نفسك الكل عارف إنتي بتعملي إيه عشان خاطرك الست عقيلة.
لوت فمها متمتمة
ربنا موجود.
وصلت كلتاهما بعد برهة من السير إلى حيث يتواجد موقف الحافلات المزدحم لم يكن من السهل إيجاد مقاعد شاغرة وسط مئات البشر المتصارعين للحاق بأول حافلة تصل. لتقضي على طول فترة الانتظار اقترحت فجأة إجلال بنزق وقد ظهرت رنة من الحماس في صوتها
بقولك إيه مفكرتيش تشتغلي يا دوسة
انعكست الدهشة على ملامح وجهها وردت باستغراب مشوب بالتعجب
إيه أشتغل!
أكدت لها حسن اقتراحها بإيماءة من رأسها لتستحثها على القبول به
أيوه أهوو تجيبي قرش زيادة يساعدك في البيت.
رفضت بعد صمت لحظي وكأنها قد قامت بعمل تقييم سريع لأوضاعها
لأ عوض مش هيرضى ده غير إني مقدرش أسيب أمي لواحدها وهي في الحالة دي.
لم تستسلم أو تيأس بل كررت عليها بقدر بسيط من الإلحاح
عموما فكري مش هتخسري حاجة.
يكون أحسن برضوه أهوو بدل وقفتنا اللي مالهاش لازمة.
بلطافة مصحوبة بالحذر قامت المربية الأجنبية الجديدة بمسح فم الصغير ذي الخمسة أعوام عقب انتهائه من تناول الحساء الساخن في غرفته كانت مسئولة عن رعايته في غياب والديه مهام وظيفتها لم تكن مقتصرة على ذلك فقط بل كلفت بأمور أخرى كانت تتلهف لها عن أي شيء آخر. ابتسمت له بكل محبة وألفة ثم أمسكت بعدئذ بصحن الخضار ووضعته أمامه وهي تطلب منه في صوت رقيق لكنه آمر باللغة الإنجليزية
ملاكي تناول ذلك أيضا.
عبس الصغير أوس بملامحه رافضا الاقتراب منه فأصرت عليه بنفس الصوت الحنون
إنه شهي.
نهض الصغير من موضعه فور أن رأه حاضرا واتجه إلى أبيه ليتلقفه الأخير في أحضانه وينهال عليه بقبلات أبوية دافئة لكن نظرات مهاب تعلقت بالمربية الرشيقة التي لمعت عيناها برغبة وانتشاء. نكست الأخيرة رأسها في ارتباك مصطنع وتمتمت بنعومة
عودا حميدا سيدي.
اكتفى بهز رأسه وأبعد ابنه عنه ليخاطبه في جدية
عاوزك تسمع الكلام وماتعملش شقاوة إنت راجل والراجل لازم يبقى أد كلمته اتفقنا
أظهر طاعته له بتحريك رأسه إيجابا فبدا مهاب مسرورا لذلك وتركه منصرفا من الغرفة لتهتف المربية وهي تشير بإصبعها للصغير في تلبك مريب
لا تتحرك من مكانك انتظرني هنا سأعود سريعا.
لحقت ب مهاب وسألته في اهتمام متزايد
سيدي أتريد شيئا
رمقها بهذه النظرة الماجنة التي تفهم مغزاها جيدا قبل أن يجاوبها بعبارة موحية كانت مدركة تماما لما ورائها
نعم لا تتأخري.
اتسعت ابتسامتها اللاهية وأخبرته
حسنا سأترك الصغير مع ألعابه ليلهو وسأحضر في الحال.
أولاها ظهره وغمغم بخفوت نازعا عنه سترته
وماله!
منذ عودته إلى المنزل وهذا التعبير المريب يكسو كامل ملامحه بالإضافة لالتزامه بالصمت الطويل راقبت فردوس زوجها بنظرات غريبة متشككة ودفعة من الأسئلة المحيرة تتدفق في رأسها لم ترغب في شغل بالها بأمره فاقتربت منه في جلسته المنعزلة بالشرفة وسألته بعدما أعدت له كوبا من الشاي الساخن
مالك يا عوض من ساعة ما رجعت من برا وإنت ساكت وواخدلك جمب!!
جاورته في جلسته وسألته بإلحاح أكبر
حصل حاجة
لم يجب بشيء فواصلت ضغطها عليه
عرفت خبر عن أهلك طيب
تنهد مطولا قبل أن يجيبها بإيجاز مزيحا ذلك الثقل الجاثم على نفسه
لأ.
زوت ما بين حاجبيها متسائلة في تصميم
أومال في إيه
استمرت في محاصرته بنبرتها الملحة وهي تركز كامل بصرها عليه
اتكلم يا راجل مش
هتحايل عليك!
نظر لها بعجز ليتكلم في صوت مثقل بالهموم
استغنوا عن خدماتي في الشغل يا فردوس!
في البداية لم تستوعب حقيقة طرده من عمله فقد أصابت الصدمة المفاجأة تفكيرها بالجمود فاستفهمت منه بقلق راح ينتشر في تقاسيمها
يعني إيه الكلام ده
أجابها في صراحة صاډمة
يعني مابقوش عايزين واحد زيي يخلص ورق الحكومة وبقيت على باب الله!
جحظت عيناها في ذهول قبل أن تلطم على صدرها منددة بالکاړثة التي حطت على رأس عائلتها المنكوبة
يا نصيبتي!
ردد في قلة حيلة
لله الأمر من قبل ومن بعد.
سألته في تحسر وقلبها يدق في فزع
طب وهتعمل إيه
بنفس النظرة العاجزة أخبرها وهو يهز كتفيه
لسه مش عارف.
ظلت فردوس تنوح وتولول ويداها ټضربان على فخذيها
أهي مصېبة لا كانت على
البال ولا على الخاطر.
تبادلت مع زوجها نظرات أكثر قلقا وخوفا ولسانها يردد
يعني هناكل منين وهنعيش إزاي
حاول طمأنتها بكلماته المواسية
سبيها على الله ربنا مابينساش حد.
نظرت له شزرا وكأنها غير مقتنعة بعدم مبالاته واستهانته بالأمر هل يظن أن أبواب العمل متاحة لمن مثله من محدودي الشهادات والخبرات بالكاد إن وجد واحدة مماثلة فستقيم الأفراح لكنها كانت شبه متيقنة أنه لن يتمكن من الحصول على واحدة بسهولة أبدا. انقلبت سحنتها على الأخيرة وأخذت تقول في نقم
ونعم بالله بس احنا ورانا هم ما يتلم بيت مفتوح ومصاريف أد كده ده غير علاج أمي...
وكأن عاصفة من الهم اجتاحتها فراحت تزيد في تعداد المصائب بإضافتها
ده لواحده بالشيء الفلاني ولا مديونية البقال والجزار وآ...
قاطعها عوض مشيرا بيده وبصوته الهادئ
أنا هتصرف وأرض الله واسعة!
اشتاطت غيظا مما اعتبره برودا ونهضت من جواره لتواصل ندبها البائس
كل الناس خيبتها السبت والأحد وأنا خيبتي ما وردت على حد!!!
كان بحاجة للذهاب إلى الحمام وتلبية نداء الطبيعة حاول قدر المستطاع تمالك نفسه لكنه ضجر من الانتظار غير المجدى بداخل غرفته فنفخ في ملل وناداها لأكثر من مرة
ناني .. ناني!
لم يجد منها أي استجابة لذا تأهب للخروج من غرفته للبحث عنها بداخل المطبخ معتقدا أنها منهمكة في إعداد وجبة غذائية صحية له. توقف في منتصف الطريق عندما سمع هذه الأنات الغريبة تأتي من جهة غرفة والده. وقتئذ نال منه التردد وخشي من الذهاب إلى
تم نسخ الرابط