رحله اثام
المحتويات
مرتاع وهي لا تزال تحاول إعادة رفيقتها لوعيها
الله يكرمك يا عم زهير شوفلنا كده سي عوض إن كان موجود في الجامع اللي على الناصية ولا لأ.
رد عليها بصوته المرتفع
على طول أهوو.
ناولها زجاجة العطر ثم انطلق باحثا عن زوجها في المسجد القريب على أمل إيجاده لإطلاعه على ما أصاب زوجته فجأة.
بمعاونة بعض أهل المنطقة قام بنقلها إلى المستوصف الطبي المتواضع خاصة حينما عجزوا عن إفاقتها. ظل عوض منكفئا برأسه على المقعد المعدني المتأرجح يدعو الله في نفسه بتضرع ألا يصيبها مكروه كان مهموما وواجما فإن امتلك من المال ما يكفيه لأرسالها إلى مشفى آخر لديه من الإمكانيات الطبية ما يسعفها. لم تتركه إجلال بمفرده وعادت إليه لاحقا بعدما وضعت أكياس الطعام في بيتها جلست مقابلته واستطردت تكلمه
هز رأسه معلقا دون أن ينظر تجاهها
إن شاءالله خير ويطلع الموضوع بسيط...
تذكر عزوفها عن تناول الطعام مؤخرا فندم على عدم اكتراثه بهذه المسألة وقال في ضيق
هي بردك لازم تاخد بالها من صحتها بقالها كذا يوم مابتكلش كويس.
عاتبته إجلال باستنكار جلي
وإنت ساكت يا سي عوض
أخبرها بشيء من التبرم
ما إنتي عارفة هي بأحوال وأنا مابرضاش أغصب عليها في حاجة.
أهوو جت على دماغها في الآخر.
توقف كلاهما عن النقاش عندما جاءت إحدى الطبيبات من الداخل وهي توجه سؤالها إليهما
إنتو اللي جايين مع المړيضة اللي جوا
في التو انتفض عوض واقفا وسألها بلوعة وعيناه تتحركان في توتر
أيوه يا ست الدكتورة خير هي كويسة
نهضت إجلال هي الأخرى واستطردت تقول من تلقاء نفسها
وزعت الطبيبة نظراتها بينهما وقالت بابتسامة لطيفة
اطمنوا هي بقت أحسن...
تنفس عوض الصعداء وشعر بالارتياح لكونها بخير لكن يبدو أن ذلك الشعور كان لحظيا حيث حل محله الارتياب التام عندما حذرتهما الطبيبة
بس لازما يبقى في راحة تامة الفترة الجاية.
تساءلت إجلال من فورها باستغراب
بوجه بشوش ونظرات متحمسة جاء رد الطبيبة بسيطا ومباشرا لكنه احتوى في طياته على أسمى معاني التعويض والإرضاء
عشان المدام حامل !!!
يتبع الفصل الثامن والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الغدر الموجع
وكأنها أميرة مدللة كل ما يأتي في بالها يجاب قبل أن تنطق به علنا نعمت فردوس منذ أن علمت بخبر حملها بسبل الراحة والاسترخاء حيث منعها زوجها من ممارسة أي أعمال منزلية شاقة قد تؤدي لإيذاء الوديعة الغالية التي أودعت في رحمها. وضعت الوسادة خلف ظهرها وهي راقدة على فراشها عندما رأت عوض مقبلا عليها حاملا بيده صينية مملوءة بكل ما لذ وطاب من الطعام. ابتسمت في رضا وقالت ممازحة
لم يبد مهتما باحتجاجها الخجل من قيامه بتدليلها وأسند الصينية على طرف الفراش ليمسك بثمرة الليمون ويعصر قدرا منها على حسائها الساخن مدت يدها لتعترض على ما يفعل وهي تخبره
مافيش داعي تتعب نفسك.
رفع بصرها إليه وعلق عليها بمحبة صادقة
هو أنا بتعب لمين غير الغاليين
أعطاها الصحن الساخن لتتناول ما فيه ودعا لها في تضرع
بادلته نظرة استحسان كبيرة ثم ارتشفت القليل بالمعلقة قبل أن تسأله في شيء من التردد
نفسك ربنا يرزقك بإيه
لم يضع الوقت في التفكير وقال في حبور مبتهج
كله خير من عند الله كفاية إن ربنا إدانا هدية عظيمة من عنده.
هزت رأسها معقبة
ونعم بالله.
عم السكوت بينهما إلا من صوت ارتطام المعلقة بالصحن ليضيف عوض بعدئذ بصوت شبه جاد
بقولك أنا هسافر لأمي أعرفها يمكن تفرح بالخبر.
وافقت على طلبه دون معارضة وأوصته باسمة
وماله بس ماتطولش في غيبتك.
تبسم مثلها وهتف مشيرا بيده
مسافة السكة.
......................................
في وضح النهار وتحديدا في الفناء الفسيح الملحق ببيته الجديد وقف كلاهما ينظران بتدقيق إلى مجموعة من العلب الفارغة المتراصة على طاولة قديمة والمتواجدة على مسافة عدة أمتار من موضع وقوفهما. تأكد مهاب من ضبط وضعية إمساك وحيده بالسلاح الڼاري وراح يوصيه بتشدد رغم لين نبرته
عايزك تنشن صح إيدك ماتتهزش.
استجاب صغيرة بهدوء تام لما يمليه عليه وأصغى إليه بإنصات وهو لا يزال يخبره
ركز عينك وحدد هدفك إيدك تبقى ثابتة كده وماتدوسش إلا لما تبقى واثق إنك هتعرف تصيب الهدف.
أخذ أوس كل الوقت الذي يلزمه للاستعداد جيدا قبل أن يضغط على الزناد لينطلق بعدها العيار الڼاري مصيبا حافة الطاولة بدلا من العلب ظهر الإحباط عليه ومع ذلك خاطبه والده في هدوء كأنما يستحسن أدائه الأولي
مش بطال.
لم يكن الصغير راضيا عن محاولته الفاشلة ونظر إلى أبيه بعينين حادتين ليعلق عليه الأخير بشيء من التشجيع
مرة فمرة هتتعلم.
تركه يعيد المحاولة وكان وشيكا من تحقيق هدفه فامتدح تطور مهاراته وظل يدعمه
برافو عاوزك تبقى بطل.
انشغل الاثنان بالتدريب على الرماية لوقت غير محدد إلى أن جاءت تهاني من الخارج لاصطحاب صغيرها حينما تفقدت ما يفعلان انخلع قلبها وحل الذعر بها ومع ذلك لم تحتج إلا حينما طلبت من طفلها الانصراف لتبديل ثيابه آنئذ راحت تلوم مهاب في ضيق منزعج يشوبه كذلك الخۏف لما اعتبرته من وجهة نظرها تهورا
إنت شايف يا مهاب إن دي لعبة مناسبة تعلمها ل أوس
حدجها بنظرة مهينة قبل أن يعاود ملء خزانة سلاحھ الڼاري بالطلقات وهو يخاطبها في لهجة صارمة
ما يخصكيش.
لن تنكر أن داخلها اړتعب من رؤيته هكذا وحاولت إشعاره بفداحة ما يقوم به بأسلوب آخر شبه معترض لكنه حذر
المفروض تشجعه يمارس رياضة مفيدة لجسمه وصحته
نظرا لها شزرا قبل أن يصوب فوهته تجاهها هاتفا في نبرة مھددة لا تخلو التجريح
إنتي دورك في حياة ابني معروف فبلاش تجيبي لنفسك الإهانة!
ارتعشت أطرافها وتراجعت عنه متوهمة أنه على وشك إفراغ ما في الخزانة بها لتصطدم بظهرها في صدر زوجها الذي تلقفها بذراعيها مانعا إياها من الانكفاء حينها شعرت تهاني بقليل من الأمان يغمرها واحتمت خلفه بينما وزع ممدوح نظراته المتعجبة بينهما ليتساءل بعدها في نبرة عادية
اتأخرت عليكم ولا إيه
أشاح مهاب ببصره بعيدا عن كليهما وقال بترفع
جاي في ميعادك مظبوط...
ثم راح يطلق في تتابع متزامن الطلقات الڼارية واحدة تلو الأخرى على العلب الفارغة ليصيبها جميعا وهو يكمل بشيء من التحذير الصارم
ويا ريت تعلم مراتك تلزم حدودها بدل ما أعلمها أنا بطريقتي وأظن إنها مش هتعجبها.
اشټعل وجهها ڠضبا من تحقيره المتعمد والمشوب أيضا بټهديد سافر فنظرت إلى زوجها بعينين حانقتين فما كان منه إلا أن طلب منها برجاء وهو يسدد لها هذه النظرة المصحوبة بإشارة من يده
تهاني .. خلاص من فضلك.
بالكاد تماسكت وأطبقت على مانعة نفسها من التفوه بأي حماقة احتراما لتواجده ولتشعر كذلك طليقها السابق أن زوجها الحالي يشكل مكانة عزيزة في قلبها ارتفع حاجباها للأعلى في استهجان عندما أمرها ممدوح بصوته الهادئ
اسبقيني على العربية.
استنكرت ما يريده وقبل أن تفكر بإبداء اعتراضها منحها نظرة راجية من عينيه لتلتزم الصمت مجبرة حينما شرعت في الابتعاد عنهما أتى من خلفها صوت مهاب وهو يعلمها بلهجة صاحب القرار
أوس هيبات عندي النهاردة.
كظمت حنقها بصعوبة وعلقت بنبرة متشنجة دون أن تنظر تجاهه
براحتك.
ارتسمت على زاوية فمه ابتسامة صغيرة ما لبث أن تلاشت عندما أخبره ممدوح بخبث بمجرد اختفاء زوجته من محيط المكان
مبروك الشراكة الجديدة أنا عرفت من مصادري الخاصة بس الصراحة مافيش حاجة بتستخبى في البلد دي.
مرة ثانية ملأ مهاب خزانة سلاحھ بالطلقات وقال في عدم اكتراث
على كل حال إنت كنت هتعرف الموضوع مش سر.
ثم ناول رفيقه السلاح ليستخدمه في الرماية بعدما قام برص علب جديدة وهو لا يزال يكلمه في هدوء
هننتهي من الإجراءات الرسمية وهعلن عن ميعاد الافتتاح الرسمي للمستشفى.
فرد ممدوح ذراعه وحاول التصويب متسائلا ببسمته الماكرة
زي الفل وأنا معاك فيها طبعا
أجابه بإيماءة موافقة من رأسه فاستمر ممدوح يقول بنوع من الإلحاح
مسكني منصب كويس عيب يبقى صاحبي صاحب أكبر المستشفيات هنا وأنا أبقى حتت موظف صغير.
أشار
له ليبدأ بالتصويب وهو يخبره
ماتقلقش.
فشل ممدوح في الإطاحة بأي واحدة من العلب فالتصقت بسمة ساخرة بثغر رفيقه الذي استعاد منه سلاحھ ليصوب الفوهة تجاه أول علبة أسقطها بطلقة واحدة وفعل المثل مع البقية ليشعر الأول بالحنق من انتصاره عليه. تحولت أنظارهما تجاه الخادمة الأجنبية عندما جاءت لتقول في لهجتها الرسمية الجادة
سيدي لقد جاءت ضيفتك هل أحضرها هنا
في التو أجابها بصوته الصارم
لا اجعليها تنتظر في غرفة مكتبي.
اعترى الفضول نفس ممدوح وتساءل بتطفل وقح
مين دي يا بوب صيدة جديدة
تجاهل الرد عليه وخاطبه في تهكم بعدما رمقه بهذه النظرة الحادة
روح لمراتك لأحسن تقلق إنك اتأخرت عليها!
استفزته طريقته وهمهم باسما فقط حفظا لماء وجهه المراق
هي الحكاية بقت كده ماشي يا صاحبي.
لوح مهاب بعدها بيده كأنما يودعه فغادر في عجالة محدثا نفسه بعزم
بيتهيألي جه الوقت اللي أخلص فيه من تهاني.
.................................................
بحماس متقد وعلى وجه السرعة استقل وسائل المواصلات العامة المختلفة ليصل إلى بلدة والدته من أجل زيارتها ونقل النبأ السار إليها وضع عوض مسألة القطيعة والخلافات جانبا وأصر هذه المرة على عدم تقبل رفضها للقائه فإذ ربما يرق قلبها وتلين مشاعرها المتحجرة حينما تعلم بأمر الحفيد المنتظر. انتظر كعادته عند بابها المغلق طرقه عدة مرات وهو يناديها راجيا من الخارج
يامه! عاوزك في حاجة مهمة ومش همشي قبل ما تعرفيها.
أتى ردها متحفزا ضده مثل العادة
قولتلك غور من هنا وانسى إن ليك أم.
أصر عليها بتصميم معاند لرغبتها
والله المرادي أنا جاي في حاجة مهمة هتفرحك اسمعيني بس الأول.
هتفت عاليا في سخط
وأنا من إمتى بفرح واللي بتعمله مزعلني وقاهر قلبي
لم يجد بدا من إخبارها هكذا من موضع وقوفه رغم تمنيه لرؤية تعابير وجهها وهو يلقي بالخبر على مسامعها
يامه ربنا هيعوضنا خير وهيرزقنا بعيل.
حينها فقط سمع وقع خطوات قدمي والدته وهما تتحركان لتدنو من الباب أتاه أيضاصوتها المتسائل في ذهول قبل أن تفتحه
بتقول إيه
انتشى داخله لتخليها عن عنادها المحطم لنفسيته وتحمس للغاية للالتقاء بها فتحت الباب فانتفض قلبه ورفرف بين ضلوعه تأمل وجهها العابس بنظرات فرحة وفي غاية السعادة فما أجمل الظفر بلمحة من الأحب والأغلى إلى الفؤاد. سألته أمه في تحفز غريب
إنت بتتكلم جد
انحنى على يدها بعدما أمسك بها يقبلها وقال مبتسما بشدة
أيوه يامه ربنا كرمه واسع وفردوس حامل.
أشارت له بيده الأخرى ليتبعها وهي تأمره
تعالى جوا.
سار خلفها مسرورا ليستطرد في نشوة عارمة
كنت عارف إن قلبك هيحن لما تعرفي عمر إحساسي ما خيب أبدا.
جلس على المصطبة الخشبية مجاورا لها شملها بنظرات متشوقة لمثل هذا القرب الدافئ وسألها في حماس ممزوج بالبهجة
فرحانة يامه
لم تعطه أي رد ومع ذلك ارتضى بالقليل الذي منحته له تابع الحديث في استرسال
إن شاءالله اللي جاي هيكون في غلاوة بدري ويعوضنا عن فراقه.
ظلت تنظر إليه في صمت فاستمر يضيف
متابعة القراءة